ارتبطت نشأة الخطوط الجوية العربية السعودية بحدث تاريخي مهم، ففي نهاية شهر مايو 1945م التقى الرئيس الأمريكي روزفلت ولأول مرة بالمغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز في قناة السويس، وفي هذا اللقاء أهدى الرئيس روزفلت الملك عبدالعزيز طائرة من نوع دوجلاس ــ دي، سي ــ3 داكوتا، وكانت تمثل في ذلك الوقت أحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا الطيران.
وقد ذكر أول أمير عفيف في ذلك الوقت الشيخ “صالح بن عبدالله بن حماد” مستعرضاً ذكرياته عن هبوط طائرة الملك عبدالعزيز بأن ذلك كان ذلك عام 1364ه، قائلاً: أتت الطائرة لتقل الملك عبدالعزيز من “عفيف” إلى “الحوية”، وعندما جاءت الطائرة كان الملك عبدالعزيز في “عفيف” كعادة أثناء سفره من الرياض إلى الحجاز والعكس، مبيناً أنها أول طائرة يستقلها في حياته، مضيفاً أن الملك عبدالعزيز قال له: “هل عندك عمّال يعملون مهبط للطائرة؟”، فقلت: “نعم”، موضحاً أنهم أحضروا بعضاً من أهالي عفيف و”أخويا” الإمارة، وعملوا مهبطاً، حيث ساوو الأرض وعملوا على نظيفها من الشجر والحجارة، متذكراً أنهم في المجلس في الليلة الأولى قبل هبوط الطائرة قال الملك عبدالعزيز: “بكرة ناس في السماء وناس في الأرض”، أي هناك ناس سوف يستقلون الطائرة إلى الطائف، وناس سوف يسافرون بالسيارات، وكان معه أبناؤه الملك فهد -رحمه الله- والأمير بندر.
وفي 11 ذي القعدة 1419ه الموافق 27 فبراير 1999م وقف أهالي منطقة عفيف وهم يشاهدون طائرة الملك عبدالعزيز “الداكوتا”، ضمن احتفال المملكة بالذكرى المئوية للتأسيس، تهبط على أرض مطار الملك عبدالعزيز في “عفيف”، وجرى استقبال حاشد وحافل، حيث أقيم احتفال خاص فور نزول الطاقم الفني منها، وبعد الترحيب بهم من قبل محافظ عفيف آنذاك “مران بن قويد” ومديري الدوائر الحكومية وأعيان المحافظة ورؤساء المراكز والمعرفين والجمهور الكبير، حيث ألقى محافظ عفيف كلمة رحب فيها بطاقم الطائرة وضيوف الحفل، وأكد فيها أن المحافظة سعيدة وهي تحتفل بهذه المناسبة العزيزة التي تحتفل فيها المملكة بمرور مائة عام على تأسيسها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله-، عندما أحدث نقلة هائلة في وسائل النقل، مشيراً إلى أنه في عام 1364م من هذا المكان استقل جلالته تلك الطائرة أول مرة في حياته الى مطار “الحوية”، ومازال الموقع يعرف باسم المطار تخليداً لتلك الذكرى العزيزة، معرباً عن اعتزاز المحافظة بهذه اللفتة الكريمة من ولاة الأمر لمنطقة عفيف.
وشهدت مدينة بريدة أول هبوط للطائرة على أراضيها، وكان ذلك في عام 1367ه، حيث قدم الملك عبدالعزيز -رحمه الله- على الطائرة وكان الهبوط في “الودي” -شمال بريدة-، وكان الناس مندهشين من الطائرة، حيث خرج الجميع إلى أسطح المنازل لمشاهدة هذا الشيء الغريب، وقد نُصب للملك خيمة صغيرة في “الودي”، ثم استقبله الأعيان، ومن ثم انتقل إلى مخيمه شرق “الجردة” حيث شرف حفل الأهالي.
ومن المدن التي استقبلت الطائرة للمرة الأولى وهبطت فيها بدون مطار هي “مرات” وذلك في عام 1374ه، وكانت تقل الملك سعود بن عبدالعزيز -رحمه الله- حيث هبطت الطائرة في مكان يسمى “السبخة” يبعد عن البلدة قليلاً، حيث تم وضع علامات من الصخور في الأرض قبل هبوطها وقدومها من العاصمة الرياض، وقد لونت تلك الصخور بلون أبيض، وقد هبطت الطائرة في وقت العصر بسلام مثيرةً الغبار الشديد، كون الأرض التي هبطت فيها “سبخة”، وسط دهشة الحضور من أمير البلدة والأهالي، حيث كان مخيم الملك سعود على بعد مئة متر تقريباً من مكان هبوطها، وقد مكث الملك سعود يومين في مرات وسط حفاوة أهلها الذين أقاموا حفل استقبال بهيج، حيث شارك طلاب المدرسة السعودية في الحفل بالاستعراض بأسلحتهم التي أحضروها من أهاليهم، كما قدموا الأناشيد والعديد من الكلمات التي ألقوها أمامه، كما قُدمت العديد من القصائد بهذه المناسبة والعرضة السعودية، إضافةً إلى مأدبة كبرى أقامها الأهالي على شرفه، ومن الغد غادرت الطائرة بعد أن مكثت يوماً وليلة، وقد خرج الناس عن بكرة أبيهم لمشاهدة الطائرة الذي يعد أمراً خارقاً للعادة وهي تقل جلالته وحامت على المدينة ومزارعها، مما أفزع الحيوانات التي لم تعتد صوتها حيث كانت تحلق على درجة منخفضة، ولا زالت هذه الذكرى باقية في ذاكرة الأهالي الذين حضروها إلى اليوم، وقد سمي المكان الذي هبطت به ب”المطار”.
وتغنى الشعراء بالطائرة في أشعارهم عند ظهورها، ومن أشهر تلك القصائد المغناة هي قصيدة في “سلم الطائرة” للشاعر “يسلم بن علي” التي لا يزال صداها يتردد في آذان من استمعوها للمرة الأولى في عام 1384ه، ولها قصة جميلة ولجمالها نوردها، فقد سافر الشاعر “يسلم بن علي” من جدة إلى اليمن على متن طائرة “داكوتا” صغيرة أقلعت من “جدة” إلى “أسمرة” ومن ثم إلى “عدن”، ويقول الشاعر: كتبت هذه القصيدة وأنا في الرحلة التي استغرقت تسع ساعات، وأرسلتها من عدن عبر البريد إلى الفنان “طلال مداح” -رحمه الله- الذي نشرها في “صحيفة البلاد”، ومن ثم لحنها، وعندما وصلت إلى قرية “عماقين” -مسقط رأس الشاعر- بعد حوالى أسبوعين فوجئت بصوت “طلال” وهو يغنيها عبر الإذاعة، وكانت من أجمل الأعمال الفنية لي، تقول كلماتها:
في سلّم الطائرة بكيت غصباً بكيت
على محبين قلبي عندما ودعوني
وشفت محبوب قلبي بين نخلة وبيت
يناظر الطائرة يبغى يحرك شجوني
فعلاً أنا عندما شفته بعيني بكيت
وقلت بالله يا اهل الطائرة نزلوني
بشوف محبوب قلبي عادني ما انتهيت
وان كنت غلطان يا اهل الطائرة فهموني
يا آه في آه كم باقول يا ليت يا ليت
عسى محبين قلبي عادهم يذكروني
خاف انهم يعشقوا غيري وانا ما دريت
احسن ليا الموت لو هذا حصل فاقبروني
مضنون عيني
كما لا ننسى قصيدة الشاعر “علي بن محمد القحطاني” الجميلة التي تغنى بها العديد من الفنانين في تلك الفترة كالفنان الشعبي “عيسى الأحسائي” وتقول كلماتها:
يا طائره لا تطيري
مضنون عيني مسافر
فراقه أحرق ضميري
نوى حبيبي يهاجر
يمشي بثوبٍ حريري
واملبسٍ بالجواهر
بغا فؤادي يطيري
نهار شفته مغادر
مالي بغيره عشيري
من داعجات النواظر
ترى فراقك عسيري
ماني على الصبر قادر
وان كان والفت غيري
أنا خسرت الخساير
خسارة الحب بلوه
بلوه تصيب الضماير
مدري وش اللي يصيري
وانا بروحي مخاطر
والدمع حرق نظيري
عيني تهل العباير
أول طائرة
وبهذه الطائرة بدأت خدمات النقل الجوي في المملكة العربية السعودية، حيث انضمت طائرتان في نفس العام، لتشكل الطائرات الثلاث أول أسطول جوي للخطوط السعودية، وتم تشغيل تلك الطائرات بين مدن الرياض، جدة، والظهران.
وفي عام 1952م، تسلمت الخطوط السعودية 10 طائرات من طراز كونفير 430، فيما أضيفت عام 1960م ثلاث طائرات من طراز D.C.6، وبدأت رحلاتها إلى الدول العربية المجاورة، وفي 19 فبراير 1963م، أصدر الملك فيصل بن عبدالعزيز ــ رحمه الله ــ مرسوما ملكيا بإنشاء المؤسسة العامة للخطوط السعودية، .
وفي نفس العام دخلت الخطوط عصر التكنولوجيا، حيث اشترت طائرتين من طراز بوينج 707، وكانت أول شركة في الشرق الأوسط تستخدم هذا النوع الضخم من الطائرات النفاثة، وفي عام 1966م اشترت ثلاث طائرات D.C.9، وطائرتي بوينج 720 في العام 1968م.
وبدأت «السعودية» تسيير رحلاتها إلى روما ولندن، ثم أضيفت طائرتان نفاثتان للشحن الجوي في عام 1971م، ثم أضافت أيضا طائرات من طراز بوينج 737 عام 1972م، وفي 1975م تسلمت أول طائراتها من طراز لوكهيدترايستار إلـ 1011، بمحركات رولزرويس.
وفي عام 1983م كانت تنفذ رحلاتها باتجاه 43 محطة خارجية و24 داخلية، والخطوط الجوية السعودية عضو في الاتحاد الدولي للنقل الجوي (أياتا) منذ عام 1967م.
وتعد الخطوط السعودية من أكبر شركات الطيران في الشرق الأوسط، إذ تحتل المركز الثاني عشر بين شركات الطيران الأعضاء في المنظمة، وشهدت الخطوط الجوية السعودية تطورا كبيرا في عهد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ــ يرحمه الله، والذي كان يشغل منصب وزير الدفاع والطيران والمفتش العام من حيث عدد الطائرات وزيادة الكوادر العاملة السعودية منها بالخصوص، واستحداث وجهات جديدة لمناطق في العالم وزيادة الخدمات وغيرها.