الاستثمار في العقول هو الاستثمار الحقيقي ، خاصة في هذا العصر الذي يزخر فضاؤه بالتقنيات التي تستثمر فيها الأموال الطائلة، وتلقى رواجاً وإقبالاً عند الشعوب الفقيرة والغنية على حد سواء، بعدما أصبحت جزءاً من حياتها اليومية، حتى أصبح اختراع واحد يدر لصاحبه أرباحاً لا حصر لها، وصارت دول كثيرة تشكل عائدات مخترعيها رافداً رئيسياً في دخلها الوطني.
فأين الاختراعات والمخترعون بالمملكة من هذا ” النفط ” التقني ، خاصة الاختراعات ذات العلاقة بالإعاقة والمعوقين، وهل الاختراعات والمخترعون بالمملكة يواجهون صعابا حتى يمكن أن تنتقل من حالة الفكرة على الورق إلى التنفيذ والتطبيق في الواقع ، وتستفيد منها الفئات المستهدفة ؟!
مجلة ” الخطوة ” طرحت قضية ” اختراعات الموهوبين الجديدة للمعوقين.. بين إهمال رعاية المخترعين ومشاكل عدم التطبيق ” على ثلة من المسؤولين والمتخصصين والمهتمين والمخترعين ، في هذه الندوة .. أدار الندوة : يوسف أبو عواد
الثقافة الغائبة
يرى ضيوف الندوة أن ثقافة الاختراعات في مجتمعنا لم تصل بعد إلى المستوى الذي يعطيها ما يليق من المكانة والحضور، وهذه واحدة من أسباب الوعكة التي تمر بها الاختراعات في مجتمعنا المدني الموسوم بالصفة الأدبية أكثر من التقنية، فالتقبل للاختراعات لا يزال للأسف دون المستوى المطلوب، وحتى موضوع الاختراعات والمخترعين بالمملكة موضوع يعتبر حديث العهد، حيث يشير الدكتور أحمد المهندس إلى أن جمعية المخترعين السعوديين نفسها قد بدأت في العام 1426هـ خلال أحد اللقاءات العلمية التي عقدت في جامعة الملك فهد ، وحين بدأنا في الجمعية لم يكونوا كثراً الذين يعرفوا المزيد عن هذا الجانب،الذي يحفل بكثير من القصص والأفكار التي يعرفها رئيس وأعضاء اللجنة التاسيسية الأولى للجمعية. هذه الجمعية لاقت منذ البداية دعم مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ودعم مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع، وتوجت الرعاية لهذه الجمعية بالأمر السامي الكريم في العام 1432هـ بأن تكون تحت مظلة وزارة التعليم العالي ، والجمعية حاليا في حرم جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية منذ العام 1433هـ ، فموضوع الاختراعات حقيقة موضوع شائك وغامض، ولا تزال نظرتنا للتقنية نظرة ذات طابع استهلاكي حيث ما نزال نستورد التقنية ولا نستنبتها، حيث يؤكد الدكتور المهندس في هذا الجانب على أهمية ترسيخ ثقافة الاختراع في المجتمع لأن غياب هذه الثقافة له نصيب كبير في أسباب الوعكة التي تمر بها الاختراعات.
الأندية العلمية
لإثراء ثقافة الاختراع يحتاج الأمر إلى التركيز عليها لدى الناشئة في مراحل مبكرة، وهذا يتأتى عن طريق إنشاء أندية علمية أو حتى أندية الاختراع كما يشير المهندس مهند أبو دية والجهود التي تبذل في هذا الجانب مع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، بما يوفر بيئة آمنة ومناسبة تحمي الموهوب وتأخذ بيده ـ في ضوء ما يراه الأستاذ يوسف السحار.
الدكتور حمدان المحمد يؤكد على أهمية الأندية العلمية مشيراً إلى أن مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع تواصلت مع عدد من المؤسسات التعليمية لهذا الغرض ورحبت العديد منها بالفكرة.
استعجال … وغياب
من مسببات هذه الوعكة كذلك الاستعجال في الاختراع كمن يزرع شجرة اليوم ويريد أن يقطف ثمرتها غداً، وفي هذا الخصوص يشير الدكتور حمدان إلى أن مئات الأفكار والاختراعات نستقبلها من خلال البوابة الإلكترونية لمؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع، بعد دراستها وغربلتها القليل منها يصمد ويجمل عنده التوقف، مستشهداً أنه من بين 8000 فكرة لاختراع دخلت البوابة تم تصفيتها والخروج ب 40 حالة منها فقط بمعنى أنه من بين كل ألف فكرة وصلتنا عبر هذه البوابة هناك كمتوسط خمسة أفكار يمكن القول أنها دسمة والباقي قليل الدسم أو حتى بدون. ويحتاج الأمر أن يتريث المخترع فيفكر في اختراع المجتمع بحاجته، ويعالج مشكلة ويضيف جديدا، ليسهل تبنيه وتمويله، يضاف إلى ذلك طول الفترة التي تستغرقها براءة الاختراع من 2 ــ 3 سنوات وإن كان سمو رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية قد وعد باختصارها إلى سنة واحدة. وهذا الاستعجال من المخترعين يقابله للأسف غياب من الداعمين فمؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع ، تشارك بمبتكريها في العديد من المهرجانات الدولية حتى أن طلابنا في أحدها حصلوا على 20 ميدالية ذهبية على أفكار ابتكارية ولم يتبنهم أحد،،، ولا أعرف أين الخلل؟؟؟
ثقافة العمل
المهندس فيصل القديمي يؤكد على أهمية ثقافة العمل، ودون أن يقلل من أهمية وضرورة براءة الاختراع، يرى ألا يكون ذلك أول وآخر هم المخترع وغاية مناه ورجائه، مشيراً إلى أن تغبير اليدين بتراب الاختراع لا تقل أهمية عن صك براءة الاختراع، ومن هنا يؤكد على ثقافة العمل وأهميتها . وفي هذا الجانب يتساءل الأستاذ عبد الله الزيد لماذا لا يقدم صندوق تنمية الموارد البشرية راتباً للمخترع في مرحلة عمله على اختراعه وفق ضوابط واشتراطات محددة، أو يصرف لهم من برنامج ” حافز ” فهم على الأقل يعملون على أفكار قد تسعدهم وتسعد الكثيرين معهم.
الفجوة الكبيرة
ثم هناك الفجوة الكبيرة بين براءة الاختراع وبين وصوله للسوق، فبعد تسجيل براءة الاختراع، هناك إثبات النظريات التي يقوم عليها، وتجسيدها في نموذج حتى لو تشبيهي وإثبات الفرصة التجارية، فما يعرض على المستثمرين مجرد ورق، حيث يؤكد الأستاذ عبد الله الزيد في هذا الجانب على الفجوة القائمة بين الاختراعات وبين إيصالها لمرحلة الإنتاج والتسويق، نحن بحاجة إلى ثقافة رأس المال الجريء وإلى أنظمة تحمي المستثمرين لجسر الهوة وتضييق الفجوة لتسهيل عملية تحويل الاختراعات إلى منتجات عملية تطرح في الأسواق، وعملية الفرز والتمحيص ليست بالأمر اليسير حين نعلم أن 5% فقط من الاختراعات يمكن أن يكون لها سوق وجدوى اقتصادية وهذه النسبة عالمية. الأستاذ يوسف السحار يقول إن هناك للأسف نظرة تشوبها بعض الغشاوة لدى بعض رجال الأعمال حين يعتقدون أن المخترع الذي طرق أبوابهم لمساعدته في مراحل اختراعه جاء يتسول،،،
روح التحدي
أياً كانت الوعكة وأياً كانت العقبات ، فالمشاكل تصنع المخترعين ، وكلما زادت المشاكل من حولنا كلما زادت الفرص لتحقيق منتجات وإنجازات عظيمة كما يقول المهندس مهند أبو دية، في المملكة العديد من الجهات التي تخدم المخترعين لكن مشكلة هذه الجهات أنها منفصلة والمخترع ضائع بينها، ويضيف م. أبو دية هناك اجتماع للشباب الخليجي المخترعين في قطر لحصر المشاكل والعقبات التي تعيق مسيرة الاختراعات والمتبرعين، وفي مركز الاسطرلاب قمنا بحصر كافة الجهات التي تخدم المخترعين وهي متاحة إلكترونياً لمن يرغب بما يشبه دليل عمل إرشادي له بكل جهة وشأنها، ولكن حبذا لو كان هناك جهة واحدة متخصصة للمبتكرين تجمع شمل هذه الجهات، على غرار تجربة مركز صباح بالكويت.
اختراعات ليست للاستثمار
وعن حظوظ الأشخاص ذوي الإعاقة من ابتكارات المخترعين في ظل اهتمام الجمعية بهذا الجانب، وهي تستعد لتحضيرات النسخة الثانية من معرضها الوطني للاختراعات السعودية الموجهة لخدمة ذوي الإعاقة ” ابتكارات ـــ2 ” أكد المشاركون في الندوة على البعد الخيري والانساني في الاختراعات السعودية الموجهة للأشخاص ذوي الإعاقة ، حيث أكد المهندس مهند أن هذا النوع من الاختراعات ينبغي أن يكون من الاختراعات المدعومة وغير المصنفة على أنها للاستثمار التجاري، فأهل الخير والمحسنون بالمملكة لن يتوانوا في دعم وتمويل منتج هذه الاختراعات ليكون في عون ذوي الإعاقة وذويهم بما يساعد في تأهيلهم وتأكيد اعتماديتهم على أنفسهم، وقد أفضى النقاش في هذا الجانب إلى إطلاق مبادرة وطنية من المشاركين أفراداً وجهات يمثلونها بمسمى ” المبادرة الوطنية لخدمة الاختراعات السعودية الموجهة لذوي الإعاقة ” وانخراطهم فيها كمتطوعين داعمين للجمعية لتحضيرات النسخ القادمة من معرضها الوطني للابتكارات السعودية الموجهة لخدمة الأشخاص ذوي الإعاقة، مؤكدين على أهمية الخطوة الرائدة التي قامت بها الجمعية بإقامة المعرض الوطني الأول للاختراعات السعودية لخدمة ذوي الإعاقة، واستعداد فريق هذه المبادرة من المشاركين لتجنيد الإمكانات والطاقات المتاحة وتوظيفها لتوجيه المخترعين بالوطن لسد حاجة أطفال الجمعية وغيرهم من ذوي الإعاقة من المعينات التأهيلية التي يحتاجونها في مراحل تأهيلهم وحياتهم المعيشية والعملية، على أمل أن يتحول هذا المعرض في نسخة قادمة إلى معرض خليجي يجسد ريادة هذه الجمعية والقائمين عليها بما تلقاه من دعم ولاة الأمر في هذا الجانب.