بعد سنوات في معترك الحياة والتربية والتواصل مع الاحبة والاقارب لم تكن السيدتان جنة (68 عاما) وهيا (39) عاما تعلمان بأن حاسة السمع لديهما سوف تبعدهما عن الحياة، وتفقدان اجمل العبارات التي كانا يسمعانها من اولادهما وهي كلمة (يمه) فكان لاختفاء هذه العبارة والنداء بها اثرٌ ووقع على مسامعهما، وكأن امرا لم يكن في الحسبان ولا خطر على عائلتهما ان يفقدا سمعهما طول العمر.
وبعد التعود على نبرات الاصوات وقراءة القرآن والعمل مبكرا على زقزقة العصافير وابتهاج الضحكات التي كان يعلو بها الصوت ليلامس قلوب الابناء قبل مسامعهما، فقد كان فقدان السمع لدى السيدتين حاجزاً وسداً منيعاً بين التخاطب بين جنة وهيا وابنائهما الذين وقفوا في حيرة من امرهم راجين الله عز وجل ان يلهمهم الصبر على فقدان سمع امهاتهم، والتواصل مع الجهات الطبية للعمل على اعادة هذا الصوت الذي يلامس الجوارح مشتاقين لدعواتهما الصادقة ومشاعرهما الحانية، لقد استمرت الخالة جنة بفقدانها السمع 10 سنوات نسيت وغابت عنها الكلمات كذلك الحال بهيا التي فقدت هي الاخرى السمع بـ 9 سنوات.
ومن مدينة الخبر بالمنطقة الشرقية وتحديداً في مستشفى الملك فهد الجامعي بالخبر التابع لجامعة الدمام في وحدة زراعة القوقعة السمعية بقيادة البروفيسورة ليلى التلمساني، اعادت بفضل من الله عز وجل السمع بعد اول عملية جراحية تكللت بالنجاح في ابريل من عام 2009م الى السيدة هيا، والتي كانت تعاني انقطاعا في السمع دام تسع سنوات وهي تعول 4 ابناء كانت الصعوبة في التخاطب هي ما يجعل واجباتها المنزلية اكثر صعوبة وتعقيدا.
وعلقت قائلة: ان اللحظات الاولى من اجمل اللحظات في حياتي والتي استهللتها بالحمد والشكر لله الذي اعاد لي هذه الحاسة، وعدت انسانة طبيعية بين ابنائي الذين افتقدوني تسع سنوات وأنا روح بلا جسد، ولم أكن أعلم بان هناك جهات او مستشفيات ستعيد لي السمع بعد قدرة الله عز وجل، ولكن بفضله ثم بجهود الدكتورة ليلى عاد سمعي وانا اجهش بالبكاء والحمد لله والثناء له واحتضان اطفالي بكلمات الحب والاشتياق.
وتروي الخالة (جنة) والتي تقطن في المدينة المنورة وقد اشتاق ابناؤها لصوتها، ودعواتها وهي تروي لحظات السمع الاولى بعد فقدان دام عشرة اعوام متصلة لم تسمع فيها كلمة، وقد نسيت كلمات فأصبحت تستعيد ذكريات المدينة في الخبر فكانت الشرقية اولى مراحل عودة السمع لها فكان لصوت الموج وقع وذكرى لمسمع الخالة جنة.
ومن ذلك فإن وحدة زراعة القوقعة بمستشفى الملك فهد الجامعي بالخبر اعادت الحالة الطبيعية لآذان المرضى بعد توفيق الله، واستطاعت بكادرها الطبي ان تعيد برمجة الاذن الى باقي الحواس عن طريق القوقعة السمعية الالكترونية، ومن ذلك فقد اكدت الدكتورة التلمساني ان الوحدة نجحت في زراعة ١٣٠ قوقعة، مبينة ان المنطقة الشرقية يوجد بها ٦٥٠ مريضا بحاجة للزراعة، وان المستشفى بحاجة الى مركز للزراعة وهو ما وعد به أمير المنطقة الشرقية في المساعدة بإقامة هذا المركز قريبا.
واضافت الدكتورة التلمساني: اننا في وحدة زراعة القوقعة نعمل باستمرار من اجل رسم الابتسامة على وجوه المرضى بعودة السمع اليهم من خلال كادرنا الطبي، والدعم المتواصل من ادارة جامعة الدمام والمستشفى الجامعي وهذا حق لكل مريض وواجب نقوم به لخدمة مجتمعنا، وفي آخر الاحصائيات التي قامت بها منظمة الصحة العالمية تشير الى ان 32 مليون طفل لا يسمعون على مستوى العالم، وقد سجلت في المملكة 5000 طفل حديث الولادة لا يسمعون في نهاية عام 2015م، وفي المنطقة الشرقية 650 طفلا لا يسمع وهناك ما يقارب 100 حالة في المستشفى الجامعي تحت الانتظار، فكل هذه الإحصائيات والأرقام يجب أن نحد من انتشارها وذلك من خلال مركز متخصص لتأهيل مرضى زراعة القوقعة، ونحن نعلم مدى الصعوبات التي يواجهها أولياء أمور المرضى المصابون حيث انه لا يوجد على مستوى المملكة أي مركز تأهيلي لزراعة القوقعة، فكان لكلمة الامير سعود بن نايف أمس الاول خلال افتتاحه الملتقى الاول لمرضى زراعة القوقعة وقع كبير على أنفس المرضى فشكرا صاحب السمو.
حالات خارجية
ذكرت الدكتورة ليلى التلمساني انه تردنا العديد من الحالات على مستوى المنطقة الشرقية وخارجها مثل الاحساء والخفجي والجبيل والمدينة المنورة، وكذلك من دول الخليج فهذا ولله الحمد شكل سمعة طيبة لوحدة زراعة القوقعة.
صعوبة في التشخيص
واكدت التلمساني ان هناك صعوبة في تشخيص الحالات التي يفوق اعمارها الـ 4 سنوات، وهذا يشكل عائقا كبيرا على الطاقم الطبي وكذلك المريض فيجب ان تكون هناك مراجعات مستمرة للتأكد من سلامة الطفل من السمع وكافة الحواس، كما لا يسمح بمخاطبة المعاق سمعيا بلغة الاشارة لان ذلك قد يستمر عنده والامل بالله موجود في استعادة السمع.
التأهيل
ان التأهيل يختلف من شخص لآخر ومن طفل لطفل حيث يقر اخصائي التخاطب الذي يشرف على التأهيل جدولا زمنيا للتأهيل يجب ان يلتزم به المرضى، وهناك تأهيل يومي واسبوعي لمدة ثلاثة أشهر وكل اسبوعين، وهناك من الأطفال من لهم نشاط مكثف يعتمد على ذكاء الطفل وتأهيل الأسرة الذي يشكل نسبة كبيرة، وهناك من الاطفال من يعانون من فرط الحركة فيجب متابعتهم بشكل دقيق، الامر الذي يتطلب المحافظة على الجهاز الذي يتم تركيبه على الأذن.
المصدر : صحيفة اليوم