شكلت العرضة السعودية قاسما مشتركا في احتفالات السعوديين، حيث أصبحت رقصتهم الرسمية في المناسبات المختلفة، فهي رقصة الحرب والسلم والفرح، وقد عرفها العرب في أيامهم وحروبهم في الجاهلية وما بعدها، إلا أن السعوديين حافظوا عليها وطوروها وأصبحت سمة من سماتهم. توارث السعوديون العرضة عن الآباء والأجداد، ويقوم بادائها أكثر من 300 شخص ضمن الفرقة الأولى، وأغلب المشاركين توارثوها عن آبائهم الذين سبقوهم قديماً ممن عاصروا الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله تعالى. وتعتبر فرقة الدرعية، هي الفرقة الرسمية للدولة، التي تحيي من خلالها مجموعة من المؤدين السعوديين الاحتفالات الرسمية.
وجاءت كلمة “عرضة” من العرض وربما سميت الرقصة نسبة الى “عرض الخيل”. وربما تكون الكلمة اشتقت أيضا من “اعتراض” التي تشير الى تقاطع السيوف حيث ان السيف أحد المكونات الأساسية لرقصة العرضة. ولانها رقصة حرب تؤدى العرضة قبل مواجهة الاعداء في المعركة لالهاب الحماس. وتعبر العرضة أيضا في التاريخ السعودي عن النصر والفخر خاصة بعد النصر في المعارك التي قادها مؤسس السعودية الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله، وقد ضمتها قائمة التراث العالمي إلى مصنفاتها التراثية وذلك في ديسمبر من نهاية العام (2015) .
العرضة والأدب
يقول الأديب سلمان بن سالم الجمل و الذي صدر له كتاب ” العرضة رقصة الحرب “، عام 1414هـ، أن العرضة ارتبطت بفتوحات الملك عبدالعزيز- يرحمه الله- وتوحيده للملكة . وبين ان من سمات العرضة الدالة على أنها رقصة الحرب استخدام طبول الحرب وإيقاعات الحرب والمبارزة بالسيوف كتمرين فردي للقتال ومشاركة الخيل وأهل المعقودة الحاملين البنادق ويؤدون حركات منتظمة وبديعة في إطلاق النار.
وأوضح أن العرضة موروث أصيل لأهل الجزيرة العربية وخاصة في نجد وهو ماعرف عنها بالعرضة النجدية و في مناطق أخرى كذلك ، والملك عبدالعزيز ورجاله أبناء هذه الجزيرة ورثوا ثقافتها وأصالتها ، ولقد أولى الملك عبدالعزيز-طيب الله ثراه- اهتمامه فهي تقام قبل التوجه للمعركة حيث يرسل رجاله لأهل المدن والقرى والقبائل و لمختلف أحياء الرياض للتجمع في مكان يسمى المبرز( بفتح الميم وسكون الباء وفتح الراء ) ثم يتوجه الجميع إلى الصفاة حيث يستعرضون أمام الملك عبدالعزيز بأداء العرضة ، ثم يأمر بالانطلاق نحو الحرب يتقدمهم حامل الراية ، وبعد عودتهم منتصرين تقام العرضة أيضاً تعبيراً عن نشوة الانتصار .
وقال سلمان الجمل: مما تقدم يتبين اهتمام الملك عبد العزيز بالعرضة كرقصة حرب ، كما أنه أيضاً يقدر شعراء العرضة ، ويذكر الشيخ عبدالله بن خميس أن شاعر العرضة فهد بن دحيم غاب مرة عن العرضة بسبب مرضه فافتقده الملك عبدالعزيز فقال :آتوني به ولو محمولا فجاء يغالب مرضه وهز سيفه وأنشد :
نجد شامت لابوتركي وأخذها شيخنا
واخمرت عشاقها عقب لطم اخشومها
فاهتز الملك عبدالعزيز لها وتناول سيفه وجعل يتثنى بين جنده مفتخرا مزهوا وزاد الجند حماسة وعرامة واستجابة وفداء .
وقد لقيت العرضة اهتمام عدد من الأدباء والمؤرخين منهم الأديب الكبير عباس محمود العقاد حيث كتب عنها في كتابه “مع عاهل الجزيرة العربية” فقال :
“ومن أحب الرياضات إلى الملك عبدالعزير- رحمه الله- رقصة الحرب التي يرقصها النجديون وهم مقبلون على الميدان ، وهي رقصة مهيبة متزنة تثير العزائم وتحيي في النفوس حرارة الإيمان ، ويتفق أحياناً أن يستمع جلالته إلى أناشيدها ويرى الفرسان وهم يرقصونها فتهزه الأريحية ويستعيد ذكرى الوقائع والغزوات فينهض من مجلسه ويزحزح عقاله ويتناول السيف وينزل إلى الحلبة مع الفرسان ، فترتفع حماستهم حين ينظرون إلى جلالته بينهم “.
العرضة في المناسبات
العرضة من أبرز الفعاليات في المناسبات الوطنيه منذ القدم، فبعد أن منّ الله على الملك عبدالعزيز بتوحيد الجزيرة تحت راية واحدة وبسط الأمن في ربوعها انتفى دور العرضة الحربي ، وظلت شخصية وطنية للمملكة ، حيث تقام في مختلف المناسبات ، عند استقبال الملك عبدالعزير في زياراته التفقدية للمناطق وفي الأعياد ومناسبات الأفراح ، وقد سار الملوك والأمراء أبناء الملك عبدالعزير وأحفاده على الاهتمام بالعرضة وإقامتها والمشاركة فيها.
العرضة والجنادرية
لم تغِب العرضة السعودية منذ سنوات قيامها عن مهرجان الجنادرية، وعند أداء العرضة يكون هناك تكرار لأبيات شعرية وأناشيد معينة، يلي ذلك الرقصة التي يقوم فيها المؤدون عادة برفع السيف وإمالته جهة اليمين أو اليسار، مع التقدم لعدة خطوات إلى الأمام، ويكون المنشدون في صف واحد. كما تُستخدم كذلك أنواع مختلفة من الطبول، وهي تختلف في مسمياتها؛ إذ تُعرف الكبيرة منها بـ”طبول التخمير” والصغيرة بـ”طبول التثليث”.