رغم تعدد قصص النجاح التي نسمعها في مجال المال والأعمال، إلا أن بعضها يتميز بالصبر التي يبدأ صاحبها من الصفر، خاصة تلك القصص التي بدأت في السبعينيات الميلادية عند بداية ازدهار وتطور المملكة في شتى المجالات المختلفة، ومنها تجارب مميزة ننقل لكم إحداها في مجال التجارة. شاب ارتبط اسمه بسلسلة مطاعم للوجبات السريعة قبل أن تكون معروفة آنذاك، قال عن تجربته إنها مغامرة، حيث ارتبطت بعدة تجارب بعمله، تراوحت التجارب التي عملها ما بين 15 و20 تجربة في أعمال ومهن مختلفة من عقار واستيراد وتصدير وكذلك الشحن، إضافة إلى البناء وأعمال أخرى كثيرة، كانت ما بين عام 1974 و1981م، أي بمعدل عمل كل ستة أشهر.
بعد كل تلك التجارب، بدأ بعمل مختلف عندما كان عمره 36 عاما، عبر مطعم للوجبات السريعة في الملز بجانب جسر الخليج، تحت مسمى «هرفي»، وقبل ذلك كان في شبابه من أوائل الذين اهتموا بالعمل الصحفي في صحيفة القصيم، إلا أنه ترك الصحافة وتوجه لعمله الخاص بعد اتمامه دراسة الماجستير في أمريكا، وعودته إلى أرض الوطن مستفيداً من فترة تواجده أثناء الدراسة، ومنها عمله في مطعم للوجبات السريعة.
عمل في شركته شخصيات قيادية في البلد، ذكروا أنهم عملوا في أوقاتٍ متفاوتة في الشركة، التي بدأت برأسمال 1.5 مليون ريال، إلا أن المبلغ الذي تم البدء به كان فقط 800 ألف ريال عند بداية العمل فيه، بينما تبلغ قيمة أسهم الشركة (أربعة مليارات وستمائة مليون ريال) في الوقت الحاضر، وهي الأولى والوحيدة كشركة مطاعم وصناعات غذائية تتداول أسهمها في السوق المالية السعودية، مرت عليه ظروف صعبة في الشركة منها احتراق جميع مستودعات الشركة عام 88 ميلادية، ورفض العمالة الخروج للعمل أبان حرب الخليج عام 90 كأمثلة بسيطة.
أحمد بن حمد السعيد، رجل أعمال سعودي من بريدة، المؤسس والشريك في سلسلة مطاعم «هرفي» للخدمات الغذائية، قال مخاطباً الشباب: «رسالتي لهم بأنه ليس هناك شيء متأخر في مجال الأعمال، فالعمل لا يعرف عمراً محدداً، فلقد بدأت تأسيس هرفي وعمري 36 عاماً ومن التجارب الناجحة أن رجلا في الخمسينات من عمره استلم مطاعم ماكدونالدز ونجح في إدارتها وتطويرها، حتى أصبحت ما هي عليه الآن».
وذكر في حديثه في ثلوثية الدكتور محمد المشوح، أن ما أفاده قبل أن ينطلق في مجال عمله، أنه توجه إلى مكتبة الغرفة التجارية الصناعية في الرياض، وقرأ بعضاً من الكتب والدوريات، وقال: «ليس سراً أن أقول انه قبل رحلتي إلى أمريكا، ذهبت إلى مكتبة الغرفة واطلعت على أخبار الشركات التي ترغب بالتصدير إلى المملكة».
وأضاف السعيد: «وجدت ثلاث شركات ترغب تصدير المطابخ والأثاث، وارتبطت باحداها عند سفري، واستمرت الشراكة ما يقارب الـ15 عاماً، نستورد منها جميع مستلزمات مطاعم هرفي، وقد زارنا مالك تلك الشركة في المملكة، واطلع على مطاعمنا، وهذا كله نتيجة قراءة معلومة في دورية».
وأوضح السعيد، أنه رغم الغموض في الأحاديث المتداولة عن ملكية سلسلة مطاعم «هرفي»، حيث يتحدث الكل أنها مطاعم أجنبية، إلا أن الحقيقة هي أنها شركة سعودية 100 في المائة، وبدأ أعماله فيها من مرحلة التأسيس في المملكة، مبيناً أن جميع المستلزمات تم توريدها في تلك الفترة من أمريكا، سواء الأثاث أو الأطعمة وغيرها من حاجيات المطاعم.
وقسمت مراحل قصة نمو سلسلة مطاعم «هرفي» إلى ست مراحل، أولها مرحلة التأسيس بما يسمى «رأس الخروف»، مع حمود السعد الإبراهيم من خلال شركة بندة من عام 1981 إلى 1993م، ثم المرحلة الثانية مع صاحب السمو الملكي الأمير الوليد بن طلال، ما بين 1993 و1998م، وفيها تغيير شعار «هرفي» إلى خليط من «خروف وبقرة».
أتت بعد ذلك المرحلة الثالثة، وهي الشراكة مع شركة «صافولا» ما بين 1998 و2010م، حيث تمت إعادة تصميم الشعار بالشكل الحالي، تلا ذلك المرحلة الرابعة من خلال تحويل «هرفي» إلى شركة عامة تتداول أسهمها في السوق المالية السعودية، أما المرحلة الخامسة فكانت مرحلة التحولات وبناء القدرات الإدارية والفنية والتكنلوجية وافتتاح الـ50 فرعا، وآخرها المرحلة السادسة والتي ستنطلق مطلع العام 2016م.
وتطرق أحمد السعيد، في حديثه إلى أن بيئة العمل في «هرفي» صالحة ومناسبة لجميع الفئات والجنسيات، بحيث وصلت خبرة بعض الأشخاص الذين عملوا في الشركة إلى أكثر من 20 سنة، والبعض الآخر زادت إلى 30 سنة، مبيناً أن هناك من عمل من اليوم الأول لافتتاح الشركة ولا يزال يعمل فيها، إضافة إلى أشخاص انقطعوا عن العمل لظروفهم الخاصة سواء بداخل المملكة أو خارجها، وما زالت العلاقات معهم ممتازة ومتواصلة.
وذكر أمثلة على أشخاص بدأوا حياتهم العملية في «هرفي»، ثم انتقلوا إلى أعمال أخرى في نفس مجال الغذاء، منهم الشخص الثاني في شركة كودو، كذلك موظف من الجنسية المصرية رجع لبلده وأسس شركة ناجحة في الآيسكريم، إضافة إلى تركي السبيعي الذي عمل محاسبا في «هرفي» ثم أسس «توم توم» مع شركاه، وسعيد الغامدي عمل مديراً لمخبز «هرفي» ثم أسس شركة يو مارك، ومنهم من يعمل في مناصب قيادية بالدولة أو القطاع الخاص.
وأضاف: «هناك من استمروا في الشركة، ونجحوا أن يساهموا في نجاح هرفي، وأوصلوه إلى ما وصل إليه الآن، واعتبروها شركتهم الخاصة، فهم مثل أولئك بل أكثر، لأن نجاح الشركة هو نجاح لهم كأشخاص ولكفاءتهم وقدراتهم، وقضوا في هرفي زهرة شبابهم، وضحوا بأعمارهم، ولا أنسى شخصياً الساعات والأيام التي أمضيناها سواء بالعمل أو بالبر أو بالسفر معاً، وأحمل لهم كل الحُب وجزيل الشكر والثناء».
واستطرد بقوله: خلال فترة عملي مديراً عاماً لمخابز وفندق السلمان ببريدة أوضحت لي أن أفضل ما يعمل فيها بشكل جيد هو مطعم الفندق، كذلك كانت فترة إدارة المخابز فترة جيدة لي للاطلاع عن كثب على أعمالها والتعامل مع الشركات الألمانية التي يتم التعامل معها، وهناك قمت بإضافة منتجات لهم وأنهيت بنجاح عقدهم مع شركة الإدارة وقتها (أوبري السعودية).
ويذكر السعيد، أنه بعد عودته إلى الرياض، ربطته علاقة مع حمود بن سعد البراهيم، حيث أسس معه من خلال بنده شركة هرفي.
وحول التسمية بـ «هرفي»، بين السعيد، أنه كتب عقد الشركة وبدأ بالعمل في تلك الفترة مع حمود البراهيم من خلال شركة (بنده المتحدة) وقتها ، وفي أحد الاجتماعات أطلق الأخير هذا الاسم على سلسلة المطاعم، وقال: «أتى اسم هرفي من الخروف النجدي، حيث ذهبت إلى سوق الأغنام واشتريت خروفا، وكانت هناك شركة اسمها المروة، أخذت صورة لرأس الخروف، فأصبحت شعاراً للمطعم».
وترجع الذاكرة بالسعيد، وقال: «كنا نستورد كل شيء من أمريكا، فأصبح يشبه المطاعم الأمريكية من خلال منتجاته ولونه البرتقالي، وقد دهش الناس من وجود مطاعم للوجبات السريعة في تلك الحقبة، فكانوا يعتقدون أنها ملحمة، ويتركونه ويدخلون بندة التي كان يجاورها هرفي، وأخذ الأمر وقتاً لكي يترسخ عند الناس».
وأبان أن المرحلة الثانية بدأت مشاركة مع الأمير الوليد بن طلال، حيث نسبة 70 % تعود لبندة الشركة المساهمة ويمتلكها الوليد، ويعتبر بهذا الأمر هو المساهم الرئيس، حيث كانت البداية صعبة كما قال، وكان الأمير في عز شبابه ونجوميته، ويمتلك أول شركة مساهمة داخل البلد كنشاط تجاري.
وأضاف: «اجتمعنا في الغرفة التجارية، وكان عدد فروع هرفي في ذلك الوقت 28 فرعاً، وحدث نقاش عن هرفي، وقال الأمير الوليد: لا بد أن نتعرف عليها، يا أطورها يا أوقفها ونحلبها، وكانت فيها خير، فجلب خبراء لدراسة وضع هرفي على مدى ثلاث سنوات على حسابه الخاص، ومن الخبراء نائب أكبر شركة بحوث واستشارات في أمريكا، فكانت يوميته ستة آلاف دولار، إضافة إلى شخص آخر متخصص في المالية كانت تكلفته أقل، وعملوا بحوثا وزيارات ليلية».
وأستمر الخبراء في الدراسة، وفي الأخير أوصوا من خلال نتيجة تقاريرهم بالاستمرار في هرفي، والتوسع بذلك دون خوف، حينها رجع المستشار الأول وبقي الأخير يتردد بزياراته على السعودية على مدى ثلاث سنوات، واعتبرته «هرفي» موظفاً لديها للاستفادة من خبراته، فكانت الأخيرة تصرف له سيارة، بينما جميع مصاريفه الأخرى يستلمها من شركة المملكة بعد توقيع أحمد السعيد على ورقة لصرفها.
أما مرحلة الخروف والبقرة، فيروي السعيد قصتها ويقول: «قال الأمير الوليد انني واضع شعار خروف، وأنا أقدم اللحم البقري، وأن هذا غير مطابق، على الرغم من أن الشعار القديم عزيز علي، حيث تم تعديله ما بين الخروف والبقرة، والمرحلة التي تلت ذلك ما بين 98 و2010 أتت مرحلة صافولا، فدمجت مع بندة، وانتقلت ملكية 70 % من هرفي إلى صافولا، وأنا ما زلت ثابتا على عملي وإدارتي ونسبة شراكتي».
وأضاف: «وصل لعلمي أن الأمير الوليد أوصى شركة صافولا أن هرفي بطة تبيض ذهبا، كما قال لا تلمسوا أحمد السعيد، فإن البطة ستتوقف، وكانت وقتها شركة ذات مسؤولية محدودة، ثم مساهمة مغلقة، وقدمنا الشعار الجديد، حين أصبحت الشركة مطلوبة في الخارج، وهذا الأمر يتطلب أن يكون الشعار عالميا عند الرغبة بإعطاء وكالة في الخارج، وفي 2007 تم تبني شعار جديد قريب من حرف الهاء وكذلك شكل الهمبرغر وهو الشعار الحالي للشركة وقد لاقى نجاحاً وقبولاً كبيراً لدى جميع الأوساط في المملكة».
في نهاية الموضوع أضيف أن أحمد السعيد وافق على المشاركة في هذه الندوة بشرط حضور الشباب، وهو الهدف الأساسي من ندوته أن يشجع الشباب السعودي على العمل في شركات أو بدء عملهم الخاص وأن يوضّح للشباب أن العمل الناجح يأتي من خلال جهد عملي وجهد بحثي أيضاً. نتمنى من الشاب السعودي أن يتعلم ويستفيد من خلال ندوة أو قصة نجاح عصامية من رجل الأعمال أحمد السعيد والعصاميين أمثاله، ليس هناك مستحيل حين يبذل الجهد والوقت في العمل الذي ترغبه.